الزمان والمكان في رواية اللص والكلاب


الزمان والمكان في رواية اللص والكلاب او بنية الزمكان


إنّ أيّ عمل سردي لا بدّ أن يتوفر على عنصرين هامين، هما الزمان و المكان وخاصة الرواية، إذ يؤديان دوراً هاماً وفعالاً، لأنّ قيمة العمل السردي تكمن في نقل الأحداث و تصوير الشخصيات، و لا يتأتّى هذا إلاّ بوجود هذين العنصرين المتفاعلين المشكلين "بنيتين" تشاركان أبنية أخرى في بناء الرواية"

إلاّ أنّ الزمن يختلف من بنية سردية إلى أخرى، حيث إنه في الرواية التقليدية خطي لا يعرف التكسر و التجزؤ، فهو يبدأ من البداية ليصل إلى النهاية، ذلك "أنّ البنية السردية التقليدية التي تحترم التسلسل الزمني في صورته الرتبية، و تتقيد به. تختلف عن البنية السردية في الرواية الجديدة، حيث إنّ الزمن يربط الماضي بالحاضر في رؤية فنية شاملة فيها روعة الخيال، وقوة الإيحاء . وهو الامر الذي رأيناه في رواية : اللص والكلاب . حيث عمد نجيب محفوظ إلى خلخلة عنصر الزمن . إذ لجأ إلى انواع زمنية ذات خلفيات نفسية واجتماعية من خلال القوى الآدمية ، وخاصة ما يتعلق بالبطل الروائي سعيد مهران . فالزمن في هذه الرواية اتخذه الكاتب كرمز ( زمن السرقة / زمن السجن / زمن الشعارات الثورية عند رؤوف / زمن الانتقام) . ثم إن بعض المقاطع السردية ، تحول فيها الزمن إلى قضية لها أبعاد اجتماعية ونفسية ، كما هو الشان في زمن اليتم ( موت الأب والام ) ففي ص : 119 / 120 وبالضبط في ذلك المقطع الحواري الداخلي الذي يخاطب فيه البطل أصحاب القبور، تتضح بجلاء تلك الصورة الفنية للزمن وعلاقته بالحالة النفسية .

إن عنصر الزمن يتغير" من رواية إلى أخرى بنوعية الطريقة التي يتّبعها الكاتب. فإذا كان في النصوص الروائية الكلاسيكية يتسم بذلك الطابع الترتيبي ، المقتصر على مفهوم الفضاء المغلق أو المفتوح ، فإنه يختلف في البناء الروائي الجديد، إذ يتسم بالتعقيد و العمق، لأنّه يفاجئنا بانتقاله من زمن لآخر، فقد ينتقل من زمن الحاضر ليعود إلى الماضي ثم المستقبل و ذلك بتبني تقنيات سردية مدمرة للحركة.

زمن الشعارات الثورية

زمن الأبوة المنكسرة

زمن انقلاب رؤوف عن تلك الشعارات

زمن الحصاروالمطاردة

زمن البراءة والحلم ( الطفولة / العشق/ .....

زمن الانتقام لرد الكرامة


زمن التنكر للمبادئ وخيانة العهد

و من ثّم أصبح الزمن في الرواية يشكل شبكة من العلاقات "لأنه نسج ، تنشأ عنه دلالت وأبعاد . فهو لحمة الحدث و ملح السرد . إنه زمن يقدم فيه السارد رؤيته في سياق جديد . بحيث بصبح الزمن عبـارة عـن ردة فعـل سعيد مهران على حـالات الضجـر و الوحـدة
التي تعاني منها الشخصية في الواقع المعيش ، فتحن إلى مكان الحلم الذي يحقق أمانيها، منفصلة عن واقعها وزمنها الأليم


وإنّ عملية كسر الزمن ناتجة عن تقنيات يمتلكها الروائي يستطيع من خلالها التلاعب بالأزمنة، و ذلك تماشياً مع أهدافه كالتذكر، و المونولوج، والإيجاز و المشهد، و قد يختفي الزمن أحياناً كما هو الشان في تلك الكوابيس اليرآها سعيد في منامه عند حضرة الشيخ الجنيدي .


بنية المكان


يستغل الكاتب الخواس في تصوير المكان . وذلك بتحويله من مساحة هندسية إلى أبعاد نفسية . فهو المكان الفضاء الذي يتسع لحركة الإنسان ويتفاعل معها، ويكشف عن جوانب من الشخصية . وتبرز أهمية المكان في كونه أهم عناصر الرواية، فهو الموضع الذي تجري فيه الأحداث وتتحرك خلاله الشخصيات، وهو الذي يمثل أحد عناصر القوى الفاعلة في الرواية .


إن الفضاء المكاني عنصر حيوي من العناصر الفنية التي يقوم عليها بناء العمل الروائي، فهو يربط أجزاء العمل الروائي بعضها ببعض من شخصيات وأحداث وسرد وحوار، إنه الإطار العام والوعاء الكبير، الذي يشد أجزاء العمل كافة، وهو الجزء المكمل للحدث،

يكتسب المكان في الرواية طابعا خياليا له مقوماته الخاصة وأبعاده المتميزة، لكن السارد يتخذ من المكان وسيلة لفهم سيرورة الاحداث . وتتجلى فاغلية المكان في كونه عنصراً فاعلاً في بناء الأحداث ورصد طبيعة الشخصيات ، وعلاقاتها، وهو فضاء يتسع لبنية الرواية ويؤثر فيها.

إن المكان في الرواية لا يراد به الدلالة الجغرافية المحدودة، المرتبطة بمساحة محدودة ، بل هو كيان زاخر بالحياة والحركة،يتفاعل مع حركة الشخصيات وأفكارها .

ويمكن ان ننظر إلى المكان في الص والكلاب من خلال أربع زوايا دلالية :



الدلالة الجغرافية ( عطفة الصيرفي ص: 37 / الطرقات / شارع محمد علي / الطريق ص : 39



الدلالة النفسية ( السجن الأصم ص: 7 . / القبور ص: 140 / بيت نور /مشارف الجامعة / المستشفى ص: 90.



الدلالة الا جتماعية ( الحي / مسكن نور / بيت الجنيدي / مقهى طرزان / مسكن رؤوف البيوت والداكين ص: 7. / مرسى القوارب ص: 110./ مشارف القرافة ص: 94. / سرك الزيات ص:82..)


الدلالة التاريخية ( قصر رؤوف / عمارة الطلبة / الجامعة / سجن الحكومة ص: 20 / مبنى جريدة رؤوف / مكتب الاستعلامات ص: 28 / الفيلا رقم 18 ص: 29 / كلية الحقوق ص: 89 / 90 ./ مجمع اللصوص والشرطة ص": 77. الفصل العاشر....


إن المكان في الرواية يحمل أبعادا دلالية ، كما انه يكشف عن طبيعة الشخصيات .وأحيانا يصبح لمكان نوعا من المحاكمة الاجتماعية والتاريخية للمنظومة العلاقات الإنسانية في مصر في فترة الخمسينيات ، حيث كثرت الشعارات حول الحرية والمساواة ، وغيرها من الوعود .

المصدر : الاستاذ . مصطفى ملاك  http://doroosi.blogspot.com/

لاتنسى التعليق ساكون سعيدا بالإجابة

إرسال تعليق

لاتنسى التعليق ساكون سعيدا بالإجابة

اضف تعليق مميز (0)

أحدث أقدم